كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخبرنا الحسين بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني إبراهيم بن الحسن الباهلي المقري، حدثنا حمّاد بن زيد أبو إسماعيل عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: لما ركبه الدَّين اغتمّ لذلك، فقال: إنّي لأعرف هذا العلم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا موسى بن محمد، حدثنا أبو بشر أحمد بن بشر الطيالسي، حدثني بعض أصحابنا، عن أحمد بن الحواري، قال: قيل لأبي سلمان الدارابي: ما بال العقلاء أزالوا اللّوم عمن أساء إليهم؟ قال: لأنّهم علموا أنّ الله تعالى إنّما ابتلاهم بذنوبهم، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا محمد بن عبد الله بن برزة، حدثنا اسماعيل بن اسحاق القاضي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله تعالى بعبدِه الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا، وإذا أراد الله بعبده الشّر أمسك عليه بذنبه حتّى يوافي به يوم القيامة».
وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدًا فما فوقها إلاّ بذنب لم يكن الله ليغفر له إلاّ بها، أو درجة لم يكن الله ليبلّغه إلاّ بها.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن رجاء، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن ابن أبي داود، عن الضحاك، قال: ما تعلمَّ رجلٌ القرآن ثمّ نسيه إلاّ بذنب، ثمّ قرأ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، ثمّ قال: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن. وقال الحسن في هذه الآية: هذا في الحدود.
{وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض} هربًا.
{وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار} يعني السّفن، واحدتها جارية وهي السائرة في البحر، قال الله تعالى: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: 11].
{فِي البحر كالأعلام} أي الجبال، مجاهد: القصور، واحدها علم.
وقال الخليل بن أحمد: كلّ شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
قالت الخنساء ترثي أخاها صخرًا:
وإنّ صخرًا لتأتمّ الهداة به ** كأنّه علم في رأسه نار

{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} ثوابت وقوفًا {على ظَهْرِهِ} أي على ظهر الماء.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهنّ.
{بِما كَسَبُوا} أي بما كسب أصحابها وركبانها من الذنوب.
{وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} فلا يعاقب عليها ويعلم.
قرأ أهل المدينة والشام بالرفع على الاستئناف كقوله في سورة براءة: {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَاء} [التوبة: 15]، وقرأها الآخرون نصبًا على الصرف كقوله تعالى: {وَيَعْلَمَ الصابرين} [آل عمران: 142] صرف من حال الجزم إلى النصب استحقاقًا وكراهة لعوال الجزم، كقول النابغة:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ** ربيع النّاس والشهر الحرامُ

ونمسك بعده بذناب عيش ** أجبّ الظهر له سنامُ

وقال آخر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

{وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} محيد عن عقاب الله تعالى.
{فَمَا أُوتِيتُمْ مِّن شَيْء} من رياش الدّنيا وقماشها.
{فَمَتَاعُ الحياة الدنيا} وليس من زاد المعاد.
{وَمَا عِندَ الله} من الثواب.
{خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ والذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم}.
قرأ يحيى بن رثاب وحمزة والكسائي وخلف هاهنا وفي سورة النجم (كبير) على التوحيد وفسروه الشرك عن ابن عباس، وقرأ الباقون {كَبَائِرَ} بالجمع في السورتين، وقد بينا اختلاف العلماء في معنى {الكبائر} والفواحش. قال السدّي: يعني الزنا، وقال مقاتل: موجبات الخلود.
{وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} يتجاوزون ويتحملون.
{والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، وقيل هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. حين لامه النّاس على إنفاق ماله كلّه، وحين شُتم فحلم.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبيد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا إسحاق بن صدقة، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا سيف بن عمر، عن عطية، عن أيوب، عن علي رضي الله عنه قال: اجتمع لأبي بكر رضي الله عنهما مال مرة فتصدق به كلّه في سبيل الخير، فلامه المسلمون وخطّأه الكافرون، فأنزل الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِّن شَيْء فَمَتَاعُ الحياة الدنيا}... إلى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} خص به أبا بكر وعم به من اتبعه.
{والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ} ينتقمون من ظالميهم من غير أن يعتدوا.
وقال مقاتل: هذا في المجروح ينتصر من الجارح فيقتص منه. قال إبراهيم: في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفو له.
{وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} سمي الجزاء بإسم الإبتداء وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال ابن نجيح: هو أن يجاب قائل الكلمة القبيحة بمثلها، فإذا قال: أخزاه الله. يقول له: أخزاه الله، وقال السدّي: إذا شتمك بشتمة فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا ابن حنش المقري، حدثنا أبو القاسم بن الفضل، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: ما قوله تعالى: {وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} أن يشتمك رجل فتشتمه؟، أو أن يفعل بك فتفعل به؟ فلم أجد عنده شيئًا فسألت هشام بن حجير عن هذه الآية، فقال: الجارح إذا جرح تقتص منه وليس هو أن يسبك فتسبه.
وقال سفيان: وكان ابن شبرمة يقول: أليس بمكّة مثل هشام بن حجير فمن عفا فلم ينتقم. قال ابن عباس: فمن ترك القصاص وأصلح، وقال مقاتل: وكان العفو من الأعمال الصالحة فأجره على الله.
قال ابن فنجويه العدل، حدثنا محمد بن الحسن بن بشر، أخبرنا أبو العباس محمد بن جعفر بن ملاس الدمشقي، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن بشر القريشي، حدثنا زهير بن عباد المدائني، حدثنا سفيان بن عينية عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من كان له على اللهِ أجرٌ، فليقم، قال: فيقوم عنق كثير. قال: فقال: ما أجركم على الله، فيقولون: نحن الّذين عفونا عمّن ظلمنا، وذلك قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} فيقال لهم: ادخلوا الجنّة بإذن الله».
{إِنَّهُ} إنَّ الله {لاَ يُحِبُّ الظالمين}. قال ابن عباس: الّذين يبدأون بالظلم. لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس}.
مبتدئين به.
{وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ}. فلم يكاف.
{إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} وحزمها.
{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِه} يهديه أو يمنعه من عذاب الله.
{وَتَرَى الظالمين} الكافرين.
{لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقولونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ} رجوع إلى الدّنيا.
{مِّن سَبِيلٍ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النّار {خَاشِعِينَ} خاضعين متواضعين {مِنَ الذل يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} ذليل قد خفي من الذّلِ. قاله ابن عباس، وقال مجاهد وقتادة والسدّي والقرظي: سارقو النظر.
واختلف العلماء باللغة في وجه هذه الآية، فقال يونس: من بمعنى الياء، مجازه: بطرف خفيّ، أي ضعيف من الذل والخوفِ، وقال الأخفش: الطرف العين، أي ينظرون من عين ضعيفة، وقيل: إنّما قال: {مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} لأنه لا يفتح عينه إنّما ينظر ببعضها، وقيل معناه: ينظرون إلى النّار بقلوبهم لأنّهم يحشرون عميًا، والنظر بالقلب خفيّ.
{وَقال الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} دائم.
{وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} طريق للوصول إلى الحقّ في الدّنيا والجنّةِ في العقبى، قد انسدت عليه طرق الخير.
{استجيبوا لِرَبِّكُمْ} بالإيمان والطاعة.
{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ} معقل.
{يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} منكم يغير ما بكم.
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا} فلا يكون له ولد ذكر.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدثنا محمد بن الحسين الفرج، حدثنا أحمد بن الخليل القومي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حكيم بن حزام أبو سمير، عن مكحول، عن واثله بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من يمن المرأة تبكيرها بالأُنثى قبل الذّكر، وذلك إنّ الله تعالى يقول: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور}. ألا ترى إِنّه بدأ بالإناث قبل الذّكور».
{وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} فلا يكون له أُنثى.
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} يجمع بينهما فيولد له الذُّكور والإِناث. تقول العرب: زوّجت وزوجت الصغار بالكبار. أي قرنت بعضها ببعض.
أخبرنا بن فنجويه، حدثنا طلحة وعبيد، قالا: حدثنا ابن مجاهد، حدثنا الحسين بن علي ابن العباس، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا عبيد الله، عن إسماعيل بن سلمان، عن أبي عمر، عن ابن الحنفية في قوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}.
قال: التوائم.
{وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} فلا يلد ولا يُولد له.
أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، في قول الله تعالى: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} قال: نزلت في الأنبياء (عليهم السلام) ثمّ عمّت، {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا} يعني لوطًا (عليه السلام) لم يولد له ذّكر إنّما ولد له ابنتان.
{وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} ويعنى إبراهيم (عليه السلام) لم يولد له أنثى {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} يعني يحيى وعيسى (عليهم السلام).
{إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد بن محمد المخلدي إملاء، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك ابن محمد بن عدي، حدثنا عمار بن رجاء وعلي بن سهل بن المغيرة، قالا: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن وهب، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا أبو حمزة السّكري المروزي، عن إبراهيم الصائغ عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أولادكم هبة الله لكم {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} فهم وأموالهم لكم إذا إحتجتم إليها».
قال علي بن الحسن: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث.
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله} الآية وذلك إنّ اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيًّا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فإنّا لا نؤمن لك حتّى تفعل ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم «لم ينظر موسى إلى الله» فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله}.
{إِلاَّ وَحْيًا} يوحي إليه كيف يشاء إما بالإلهام أو في المنام.
{أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} بحيث يسمع كلامه ولا يراه كما كلم موسى (عليه السلام) {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}. إليه من ملائكة، إما جبريل وإما غيره.
{فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء}.
قرأ شيبة ونافع وهشام {أو يُرسل} برفع اللام على الابتداء {فيوحي} بإسكان الياء، وقرأ الباقون بنصب اللام والياء عطفًا بهما على محلّ الوحي لأنّ معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ أن يوحي أو يرسل.
{إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ} أي وما أوحينا إلى سائر رُسلنا كذلك.
{أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}. قال الحسن: رحمة. ابن عباس: نبوة. السدّي: وحيًا. الكلبي: كتابًا. ربيع: جبريل. ملك بن دينار: يعني القرآن، وكان يقول: يا أصحاب القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإنّ القرآن ربيع القلوب كما الغيث ربيع الأرض.
{مَا كُنتَ تَدْرِي} قبل الوحي.
{مَا الكتاب وَلاَ الإيمان} يعني شرائع الإيمان ومعالمه.
وقال أبو العالية: يعني الدعوة إلى الإيمان، وقال الحسين بن الفضل: يعني أهل الإيمان من يؤمن ومن لا يؤمن، وقال محمد بن إسحاق بن جرير: الإيمان في هذا الموضع الصلاة. دليله قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143].
{ولكن جَعَلْنَاهُ نُورًا} وحّد الكتابة وهما اثنان: الإيمان والقرآن؛ لأن الفعل في كثرة أسمائه بمنزلة الفعل، ألا ترى إنّك تقول إقبالك وإدبارك يُعجبني فيوحّدوه وهما إثنان.
وقال ابن عباس: {ولكن جعلناه} يعني الإيمان، وقال السُدّي: يعني القرآن.
{نَّهْدِي بِهِ مَن نَشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتهدي} لتُرشد وتدعوا.
{إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، حدثنا أحمد بن محمد بن شاذان، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا صالح بن محمد، قال: سمعت أبا معشر يحدّث، عن سهل بن أبي الجعداء وغيره. قال: إحترق مصحف فلم يبق إلاّ قوله سبحانه وتعالى: {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} وغرق مصحف فإمتحى كُلّ شيء فيه إلاَّ قوله: {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور}. اهـ.